القائمة الرئيسية

الصفحات

سوريا أرض حرة وميدان لإنجاب الأبطال الأشاوس

سوريا أرض حرة وميدان لإنجاب الأبطال الأشاوس

يرددون في كل يوم صباحاً ومساء “حرية حرية، أرضنا حرة، الموت ولا المذلة، شهداء بالملايين”، رفعوا أصوات النداء والوحدة  ضد الظلم والبغي والفساد، اجتمعوا صفاً ويداً واحدة لمواجهة أبواق القمع والاضطهاد، لا يخشون صوت المدافع والصواريخ، ولا جموع وحشد الأعداء الذين تجمَعوا عليهم من كل حدبِ وصوب، ولا يأبون لظلمتهم وعتادهم وأسلحتهم، بل في كل مرة يقابلونهم يزدادون قوةً وتحدي وإصرار، يقبلون شهداءهم ويقدمونهم ويضحون بكل غالي ونفيس بأرواحهم ودمائهم؛ ليصنعوا مجداً جديداً وأرضاً حرةِ أبية دون وجود الخونة والعملاء والمفسدين بينهم.

عن اي أرضاً أتحدث يا سادة، وعن أي شعباً أوصفه؟ إنه شعب سوريا العظيم الذي كان ومازال صامداً أمام الشيطان وأعوانه في ملحمة تاريخية منذ خمس سنين، وكل يوم يمر عليهم يتفاءلون بنصر الله لهم، وخذلانه للطغاة المتجبرين، الذين حولوا من سوريا أبواباً وغنائم يقتاسهما الغزاة فيما بنيهم، إلا أن هذا الشعب الوفي لأرضه ولعروبته أبى وقال كلمته بأعلى صوت، وظل واقفاً على قدميه ويسعى جاهداً لاستعادة أرضه من هؤلاء القتلة المرتزقة.

وأستحضر هنا كلمة لمارتن لوثر كينج يقول فيها “الدم وحده يحرك عجلة التاريخ”، وكما كان الحال في كل الأحداث المماثلة فما أن تصل التطورات للنقطة التي تسيل فيها دماء وتزهق فيها أرواح حتى تأخذ الأحداث طريق اللارجعة.

ما قبل الثورة الملحمية

كان السوريون يراقبون ثورات الربيع العربي تندلع في بلد تلو الآخر وهم يكتمون أنفاسهم متوقعين وصول رياح التغيير إليهم، في حين كان نظام الرئيس بشار الأسد يصر على نفي إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات. وكان نزول المواطنين إلى الشارع يتم بأمر من السلطات من أجل الهتاف للرئيس الأسد الأب ومن بعده الابن، فيما عدا ذلك لا يمكن التعبير عن أي شيء آخر.

وبدأ السوريون بالتخطيط للاعتصام بعد دعوات على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك رغم أنه كان محجوبا من قبل السلطات، وكتعبير عن حالة الاحتقان تجمع بضع مئات من السوريين أمام السفارة المصرية والليبية بدقائق بطريقة عفوية ودون تخطيط وانطلقت الهتافات وشعارات الثورة.

الخروج لعالم الحرية

انطلقت الشرارة الأولى للثورة يوم 15 مارس/ آذار 2011، بصرخة الحرية في قلب دمشق، ضد القمع والفساد وكبت الحريات وعلى إثر حادثة أثارت غضب أهالي حوران جنوب سورية حيث تم اعتقال خمسة عشر طفلا بعدها بأيام وتعذيبهم لأنهم كتبوا عبارات مناهضة للنظام متأثرين بـالاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك.

وقاد هذه الثورة الشبان السوريون الذين طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا مجموعة من شعارات الحرية والكرامة، لكن قوات الأمن والمخابرات السورية واجهتهم بالرصاص الحي في مدينة درعا البلد ما أدى لمقتل أربعة أشخاص فسرعان ما تحول الشعار إلى «إسقاط النظام» وعمت المظاهرات مدن وبلدان محافظة درعا ومعظم المدن السورية وفي مقدمتها اللاذقية ودوما وداريا وحمص وبانياس.

وتأكد كل مراقب لما يجري في سوريا حينها أن الأمور لن تعود أبداً كما كانت، وأن الشعب الأسير قد اتخذ قراره الأخير في تحطيم الأسوار والخروج إلى عالم الحرية.

سجن حرية السوريين

ومنذ أن اندلعت نيران هذه الثورة الملحمية المطالبة بالحرية والكرامة وإسقاط النظام، وسوريا في قبضة سلطة الاحتلال الأسدية، وهي سجن كبير لثلاثة وعشرين مليوناً من السوريين، تماماً كما كان الأمر في اليوم الذي سبقه والذي قبله خلال السنوات الخمسة والأربعين الماضية.

منذ ذلك اليوم خرجت سيطرة النظام السوري المجرم على سوريا وأهلها قط، ففي كل يوم تزداد رقعة الأرض المحررة التي فقد سيطرته عليها يزداد عدد الأحرار الذين تحرروا من الأَسر والعبودية، وكما ترون كيف يتحرك هذا النظام في حالة هيجان غير مسبوق بنقل قواته ودروعه من منطقة لأخرى محاولاً استدراك واسترجاع ما يمكن استرجاعه تحت السيطرة، محملاً في نفسه تلك الأماني بعودة الشعب الاسير إلى ذلك السجن الكبير، ولكن هيهات هيهات، غفل هؤلاء المجرمون عن أن المارد السوري يتوق إلى حريته المعهودة.

ميلاد سوريا

نعم أيها السادة، لقد وُلدت جمهورية سوريا الحرة من جديد منذ أن انطلقت هذه الثورة، فكل بقعة أرض خرجت من سيطرة النظام السوري المحتل، هي قطعة أرض للجمهورية الحرة، وكل شارع وساحة يحتفل بها الأحرار، وكل أرض تظللها سماء يهتز جوها بالهتافات المعادية لنظام الاحتلال هي جزء من أرض جمهورية سوريا الحرة، وكل يوم تكبر هذه المساحة الواسعة لهذا الوطن الحر وتتسع يوماً بعد يوم.

وشعب هذا الوطن الحر، هم كِرام الأمة وأبطالها الذين خرجوا إلى شوارعها وميادينها وساحاتها مطالبين بالحرية، فلا تعتقدوا أنهم قلة، فالمئة الذين خرجوا في بداية الثورة أصبحوا ألوفاً بعد مضي شهر، وصاروا اليوم بالملايين، كالبحر الهائج الذي يبتلع أرض الظلم والقهر والاستعباد، فهل رأيتم إنساناً كائناً ما كان، يهزم أمواج البحر الغاضبة؟

عساكر شرفاء

ولكل جمهورية جيش، وجيش جمهورية سوريا الحرة هو الجيش الحر الذي شكله شرفاء العسكريين، الذين يقطع الواحد منهم نصفَ الطريق إلى الشهادة في اللحظة التي ينشق فيها عن جيش الاحتلال الأسدي، ومع ذلك فإنهم ينشقون ولا يبالون؛ إنهم العمالقة الذين ستذكرهم سوريا وسوف تروي حكايات بطولاتهم الأجيال للأجيال. ولا تقولوا إن هذا الجيش صغير، فإن مصير الصغير يصبح كبيراً، ولن يلبث الواحد من أبطاله أن يصير ألفاً، ولن تلبث النبتة الصغيرة أن تستحيل دوحة باسقة بمشيئة الله.

وتواجه سوريا حالة شاذة، إذ سقطت البلاد تحت الاحتلال، ثم سطا المحتلون على جهازَي الأمن الخارجي والداخلي والجيش والشرطة وأجهزة الأمن جميعاً، فوجّهوها كلها لحمايتهم وتكريس احتلالهم لسوريا، حتى خرج وولد الجيش الحر الذي تقع عليه مسؤولية عظيمة في تخليص سوريا من جيش وعصابات الاحتلال القمعية.

ومن المهم النظر إلى دعم جيش سوريا الوطني الحر والسعي لتأمين ما يحتاج إليه الجيش من مال وسلاح وذخيرة ودعم إعلامي ولوجستي ومقاتلين في صفوفه متطوعين ومحترفين، على ألا يتم حمل واستخدام السلاح إلا تحت مظلة الجيش الوطني وضمن تشكيلاته الرسمية، وذلك حتى لا تختل هوية الثورة التي بدأت سلمية واستمرت سلمية إلى اليوم والتي ينبغي أن تستمر كذلك لأنها هي المصدر الحقيقي لشرعية الجيش الحر، فلولاها لما وُجد أصلاً، ولولا استمرارها لما كانت له شرعية حقيقية على الأرض.

كما أن العمل العسكري يجب أن يكون مركزي التخطيط والقيادة حتى لا تتشتت جهوده ويصادم بعضها بعضاً، فلا بد إذن أن يخضع بعض المسلحين لغيرهم في تسلسل قيادي وتنظيمي عسكري صارم، ومن المعروف بداهةً أن العسكريين المحترفين هم المؤهلون لقيادة العمل العسكري وجمع ما تفرق منه تحت قيادتهم.

الحماية من انشتار السلاح

ولأن تعدد الجهات التي تحمل السلاح غيرُ مأمون، فالخلاف بينها وارد لأي سبب لاختلاف في مناهجها وخططها أو بسبب علاقاتها وارتباطاتها، فيخشى أن يستعمل بعضُها سلاحه ضد بعض وتتحول المواجهة مع النظام إلى نزاع داخلي مسلح لا قدّر الله. ولا ريب أن النظام سوف يبذل جهده ويستثمر مكره للوقيعة بين رفاق السلاح لو تعدد حملة السلاح وهو ذو أسبقيات وتجارب في هذا الشأن، ولطالما اخترق الجماعات المسلحة وسخرها لخدمة برامجه وتنفيذ مخططاته الخبيثة.

وبلا شك إن انتشار السلاح في أوساط المدنيين بعد سقوط النظام سيهدّد الأمن الاجتماعي، فالناس ليسوا سواء في تعاملهم مع السلاح وفي مراعاتهم لأخلاقياته وشروط اقتنائه واستعماله، ومن المشاهَد المعروف أن الذين يصلون إلى غايتهم بالقوة والسلاح يستمرؤون حل كل مشكلاتهم التالية بالقوة والسلاح، هذا الأمر رأيناه على الدوام في أعقاب الحروب الأهلية وحروب التحرير المسلحة في أنحاء العالم.

أرض حرة صامدة

ثمانية وستون عاماً مضت على الاستعمار الفرنسي لسوريا التي ما زالت ذكراه حاضرة في أذهان كل السوريين، الذين دافعوا عن وطنهم وهبوا لنجدته آنذاك دون السؤال عن طائفة أو دين أو مذهب أو انتماء مهما صغر أو كبر، وشكلوا جميعهم صفاً واحداً ورسخوا اساسات متينة للوحدة الوطنية، وشدوا العزيمة واتخذوا قرارهم بأن لا مكان للمستعمر على هذه الأرض الطاهرة التي كانت دوماً مطمعاً للأعداء، فكان لهم ما ارادوا وحققوا نصراَ تاريخياً سُجل بحروف من ذهب وبذلت من أجله الدماء والتضحيات.

وها هو الاستعمار بشكله المجازي يعود منذ أن بدأت هذه الحرب العدوانية تجاه الشعب السوري بكل مكوناته مع انطلاق الثورة على يد النظام الغاشم بسوريا، إذ تواجه أشرس هجمة استعمارية عرفها التاريخ، وأكبر تجمع للأعداء والطامعين بها والذين دحرتهم على مر العصور وسحقتهم على أبوابها.‏

عادوا إليها اليوم بشعار الانتقام والثأر من الهزيمة ونشر الظلام والهجمية والبربرية، من خلال أبواب ومنافذ عدة، وهم يستهدفون ماضيها قبل حاضرها حجرها قبل بشرها، حقدهم دفين في قلوبهم السوداء، يقطعون الرؤوس ويأكلون الأكباد، يقتلون الطفل المولود الصغير قبل المرأة والرجل الشيخ الكبير.

ولا يزال الرهان قائماً حتى اللحظة على أمل تفتيت هذه الوحدة الوطنية وخلق شرخ مؤثر بين السوريين يضعف قواهم ويشتت أملهم، إلا أنهم في كل مرة يفشلون وينحدرون ويهزمون، ويؤكد هذا الشعب العظيم أن هذا الوطن للجميع وجميعه للوطن.

وطن شامخ لا يرضى بالهزيمة

ومع كل يوم انتصار يحققه الجيش العربي ومع كل شهيد يرتقي إلى السماء دفاعاً عن حرمة بلاده وتراب وطنه، هو عيداً للنصر والشهادة والبطولة والصمود، وتستمر التضحيات والعطاء لتبقى سوريا عصية عليهم وحصن منيع في وجه الأعداء لا ترضى بالهزيمة ولا الخنوع ومقبرة للغزاة وميدان المقاومة أمام كل هجمة شرسة، وستبقى منارة للعلم والحضارة وللخير والسلام والازدهار، وستزهر فجراً وتشع نوراً يدحر الظلام ويتوج مستقبلها القريب بأكاليل النصر والبطولة والمجد.

وستظل سوريا شامخة الرأس مرفوعة الجبين، تضرب بيداً من حديد كل من جاء يحاول العبث والإرهاب والخراب والفساد وتدمير مقدرات سوريا، امتثالاً لأوامر الطغاة والحاقدين والظلمة، ظناً منهم أنهم قادرون على النيل من هذا الوطن الشجاع العظيم، حيث أن ما تمر به سوريا ما هو الا سيناريو مكتوب ومخرج بأيادي غربية وبإنتاج عربي، فالحلقة الأخيرة لم يتم البث فيها لأن البطل صامد وشامخ شموخاً كالجبال.

تحية سلام يا سوريا

السلام على أهل سوريا والشعب الأبي الصامد، أرض المودة والأخوة والنضال والسلام والمحبة، وتحية لأشاوس سوريا من الأحرار والجيش العربي السوري الحر، نقف بقلوبنا وأرواحنا معهم، ونتمنى أن تمر تلك اللحظات العصيبة عليهم بخير وسلام.


التنقل السريع