القائمة الرئيسية

الصفحات

الإعلام المتطور: وسائل التواصل الاجتماعي تغيّر وسائل الإعلام

الإعلام المتطور: وسائل التواصل الاجتماعي تغيّر وسائل الإعلام

تمثل ثورة المعلومات والتكنولوجيا التقنية التي يعيشها العالم في الوقت الراهن أحد أهم مراحل التطور الهائلة في تاريخ الإنسانية،حيث أحدث هذا التقدم التقني والمعلوماتي متغيرات كبرى ومختلفة في كافة المجالات والقطاعات ومنها المجال الإعلامي،إذ أختلفت موازين الإعلام اليوم وصناعته في العديد من الدول التي تولي إهتمام كبير لتطويره وما تشمله من أنماط نشر وإنتاج وإستهلاك المعلومات والتشارك في مضامينها.

هذا التطور الكبير أدى بدوره إلى انقسام القطاع الإعلامي إلى مجالين،الإعلام التقليدي الرسمي الذي يشمل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون،والمجال الآخر هو ما يعرف بمسمى الإعلام الجديد،والذي يقوم على تدفق المعلومات وتحليلها عبر شبكة الإنترنت ووسائط الاتصال والهاتف الجوال وغيرها من الأجهزة والتقنيات الحديثة.

وتحظى وسائل الإعلام بأهمية بالغة في وقتنا الحاضر،فقد جاء تطورها الكبير مصاحباً لما يشهده المجتمع من تطورات متسارعة في مختلف نواحي الحياة ومن التقدم التكنولوجي الهائل وتعاظم دخل الفرد ومستوى المعيشة بشكل عام وانحسار بعض الصيغ التقليدية للهيمنة والسلطة التي كانت تستعدي بشكل أوبآخر تطور الإعلام.

وهناك ثمة ارتباط وثيق بين تطور وسائل الإعلام والتغير الاجتماعي رغم أن درجة مثل هذا الإرتباط ووجهته لايزال موضع نقاش متواصل في أعقاب سنوات طويلة من الدراسات والبحوث ذات الصلة بتأثير وسائل الإعلام على المجتمع والفرد.

ولكن على الرغم من أن شبكات ومواقع التواصل الإجتماعي لا تزال حديثة نسبياً،إلا أنها اجتازت عدة مراحل من التطور على مدى السنوات الـ10 الماضية،حيث وصلت شعبيتها بين مستخدمي الإنترنت إلى ذروتها قبل بعض سنوات،أما الدور الذي لعبته في بيئة الإعلام وعلى أقل تقدير مازال متذبذباً ويميل إلى السلبية.

صناعة الإعلام والتغير الاجتماعي

أحدثت شبكات التواصل الاجتماعي نوع من الخلخلة السريعة للكيان والبناء الإجتماعي،ويظهر ذلك عندما يكون المجتمع معتاداً على من يرتب له أجندته ويفكر بالنيابة عنه ثم يتفاجئ باختلاف كل شي،وبينما في الدول المحافظة سياسياً واجتماعياً هناك أولويات لما يتم مناقشته مثل القضايا الدينية والسياسية والحالات الإجتماعية وغيرها،وهذا ماحدث بالفعل مع بداية ظهور وتطور الشبكات الاجتماعية في العديد من المجتمعات.

وأصبح الكثير من الأشخاص يتطرق خلال نقاشاتهم إلى معظم قضايا المجتمع،حيث يعمد شبان وفتيات إلى إنشاء صفحات متخصصة أو ينتجون أفلاما تسجيلية للتعليق على القضايا،وانتقاد مسؤولين ورجال دين ومثقفين وحتى إعلاميين وتحليل تصريحاتهم إلى الحد الذي ربما تعجز عن القيام به بعض وسائل الإعلام الرسمية.

وتعتبر شبكات ومواقع ووسائل الاتصال الاجتماعية مساهمة في تغيير المعادلة الإعلامية بشكل جذري ودفعها للأمام،ولكنها في الوقت نفسه أدت إلى حالة من الفوضى وقلة التنظيم والعشوائية وجوانب سلبية عديدة في جوانب أخرى.

وتعتبر المنافسة شديدة وضارية بين وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الجديد،وهناك أرقام مؤكدة حول انحسار عدد المتابعين لوسائل الإعلام التقليدي وازدياد مستخدمي الإعلام الجديد في المجال الصحفي الذي أصبح يؤدي بعض أدوار الرسمي بل قد يفوقه أحيانأً بصورة يضع معها علامات الإستفهام عن غياب أو تباطؤ هذا الإعلام المُسن عن المنافسة وأحداث التغييرات. 

وأخذت بعض وسائل الإعلام التقليدي تعيد تكوين نفسها وبناء ذاتها لتندمج في الإعلام الجديد وتكون جزءاً منه،وبرغم التطور الذي شهدته تكنولوجيا الإعلام الجديد إلا أنها لم تلغي وسائل الاتصال والإعلام التقليدية،ولكن طورتها بل غيرتها بشكل ضخم،وأدت إلى اندماج وسائل الإعلام المختلفة والتي كانت في الماضي وسائل مستقلة لا علاقة لكل منها بالأخرى بشكل ألغيت معه تلك الحدود الفاصلة بينها،حيث أصبحت وسائل الاتصال الجماهيرية تتسم بالطابع الدولي أو العالمي.

 خصائص ومقارنة الإعلام الجديد والتقليدي

يتميز الإعلام الجديد بالعديد من الخصائص ومنها التفاعلية،حيث يتبادل القائم بالاتصال والمتلقي الأدوار،وتكون ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وتبادلية وليست في اتجاه أحادي،بل يكون هناك حوار بين الطرفين،كذلك يتميز باللاتزامنية وهي إمكانية التفاعل مع العملية الاتصالية في الوقت المناسب للفرد سواءاً كان مستقبلاً أو مرسلاً،فضلاً عن المشاركة والانتشار والكونية،حيث يتيح الإعلام الجديد لكل شخص يمتلك أدوات بسيطة أن يكون ناشراً يرسل رسالته إلى الآخرين في بيئة عالمية تتخطى جميع الحواجز الزمان والمكان والمراقبة.

ومن خصائص الإعلام الجديد كذلك الحركة والمرونة،إذ يمكن نقل الوسائل الجديدة بحيث تصاحب المتلقي والمرسل،مثل الحاسب المتنقل والانترنت والهاتف الجوال والأجهزة الكفية،بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية،كذلك اندماج الوسائط واستخدام جميع وسائل الإتصال،مثل النصوص والصوت والصورة الثابتة والمتحركة والرسوم البيانية،..إلخ.

مما لا شك فيه يمثل عامل درجة التركيز والانتباه أحد المميزات والخصائص الهامة للإعلام الجديد،نظراً لأن المتلقي يقوم بعمل فاعل في اختيار المحتوى والتفاعل معه،إضافة إلى التخزين والحفظ،حيث يسهل على المتلقي تخرين وحفظ الرسائل الاتصالية واسترجاعها كجزء من قدرات وخصائص الوسيلة بذاتها،بخلاف وسائل الإعلام التقليدية التي تفتقر لمثل بعض هذه الخصائص باستثناء الصحف الإلكترونية التي أندمجت بواقعها مع العالم الجديد.

وللمقارنة تجمع الصحيفة الورقية التقليدية الأخبار والمحتوى وتحررها وتخرجها في نصوص وصور ثابتة بأنواعها ويتم طباعتها ورقيا لتوزع في اليوم التالي،بينما الصحافة الإلكترونية آنية ويتم تجديدها وتحديثها طوال اليوم وعلى مدار الساعة،كما تحتوي على النصوص المكتوبة والصور الثابتة وكلمات دلالية وأخبار ذات علاقة والرسوم البيانية ومقاطع الفيديو والتفاعل الآني والمشاركة الفعالة مع الجمهور كذلك التعليق الفوري على الموضوعات والأخبار والمشاركة في استطلاعات الرأي،وهكذا هناك جوانب كثيرة للمقارنة إلا أننا اقتصرنا فقط على الجوانب المتعلقة بالإمكانيات التقنية للصحافتين التقليدية والإلكترونية.


صاحبت الشبكات الإجتماعية منذ نشأتها العديد من الظواهر والمتغيرات مثل كسر احتكار المؤسسات الإعلامية الكبري وظهور طبقة جديدة من الإعلاميين وأحياناً من غير المتخصصين في الإعلام،إلا أنهم أصبحوا محترفين في استخدام تطبيقات الإعلام الجديد،بما يتفوقون فيه على أهل الاختصاص الأصليين،كذلك ظهور منابر جديدة للحوار،فقد أصبح باستطاعة أي فرد في المجتمع أن يرسل ويستقبل ويتفاعل ويعقّب ويستفسر ويعلق بكل حرية وبسرعة فائقة الإنتشار،فضلاً عن ظهور إعلام الجمهور إلى الجمهور ومضامين ثقافية وإعلامية جديدة. 

ومن ضمن المتغيرات كذلك المشاركة في وضع الأجندة،حيث ينجح الإعلام الجديد أحياناً في تسليط الضوء بكثافة على قضايا مسكوت عنها في وسائل الإعلام التقليدية،مما يجعل هذه القضايا المهمة هاجساً للمجتمع عبر التفكير فيها ومناقشتها والبحث عن طرق وحلول جذرية لمعالجتها. 

نشوء ظاهرة المجتمع الافتراضي خلال الشبكات الاجتماعية،وهي مجموعة من الأشخاص يتحاورون ويتخاطبون باستخدام وسائل الإتصال والتقنية،لأغراض مهنية أو ثقافية أو اجتماعية أو تربوية،وفي هذا المجتمع تتميز العلاقات بأنها لا تكون بالضرورة متزامنة والأعضاء يتواصلون دون الحضور لنفس المكان،وقد يكون المجتمع الافتراضي أكثر قوة وفعالية من المجتمع الحقيقي،وذلك لأنه يتكون بسرعة وينتشر عبر المكان وقد يحقق أهدافه بأقل قدر من القيود والمحددات.

ومع التعدد الهائل والتنوع الكبير لمميزات وخصائص المواقع الإلكترونية والشبكات الإجتماعية والذي لم يسبق له مثيل في التاريخ فقد بدأ الجمهور يتفتت إلى مجموعات صغيرة بدلاً من حالة الجماهير العريضة لوسائل الإعلام التقليدية،وهكذا انتقل الإعلام إلى مرحلة الإعلام الفئوي والإعلام المتخصص.

مساؤئ الاعلام الجديد والتعامل معه

لقد اضطر عدد من المسؤولين والجهات الرسمية والخاصة لإصدار بيانات نفي لمعرفات وهمية تتحدث بأسمائهم على الشبكات الإجتماعية مثل فيسبوك وتويتر وانستقرام وسناب شات،أو القيام بنشر معلومات لنفي أخبار ومعلومات كاذبة وإشائعات بشكل مغرض ومستمر وتقارير تتعلق بفساد أو سرقة تمت في جهة ما،مما يضع المسؤولين وتلك الجهات في دائر ضيقة وموقف صعب لتجنب مثل تلك الأفعال والسلوكيات أو التهم إن صح التعبير،حيث يعمد بعض المسؤولين إلى السعي حثيثاً لمواكبة التغييرات الإعلامية والشبكات الإجتماعية وتطوير دائرة الإعلام.

كما استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي في احداث معركة دائرة وصراع بين عدة تيارات ونخب ثقافية ودينية وسياسية في دول عديدة وسط اتهامات متبادلة بين الجانبين،إلا أن التحقق بشكل قطعي من حقيقة هذه المعرفات والحسابات والبيانات وما تنشره من معلومات دقيقة أو شائعات وأكاذيب يبقى أمر صعب للغاية.

ومنذ نشأة شبكات التواصل الإجتماعي وولادة الجيل الثاني من المواقع الإلكترونية وأدوات الإنترنت والتي تتسم بعناصر مثيرة وجاذبة  ومتنوعة كالفورية والتفاعلية والتحديث ووسائط التقنية،ما أدى إلى زيادة ساعات الاستخدام والتعرض لها،والاعتماد عليها كمصدر وحيد للأخبار والمعلومات،ونظراً للتنوع الواسع لفئات المستخدمين وتعدد مستوياتهم الثقافية والأخلاقية وتبعاً لقانون التأثير والتأثر برزت ظواهر سلبية في سلوك الشباب والفتيات غريبة عن القيم والتقاليد،كما ظهرت جماعات تدافع عن تلك القيم وتدعو لتبنيها،وهذا معناه نجاح عملية الفيروس الأخلاقي في اختراق واحداث اهتزاز في القيم.

كما ظهرت العديد من الجرائم الإلكترونية وحالات الابتزاز ونشر العنف والتطرف والإرهاب والتعصب والعنصرية والعتدي على الآخرين في مشاهد تحتويها صفحات الشبكات الاجتماعية بشكل يومي ومستمر دون وجود قانون يحمي المستخدمين من قبل إدارة الشبكات الإجتماعية،سوى اللجوء إلى الجهات الأمنية والقانونية وملاحقة المتهمين.

ويذكر أن بعض السلطات والحكومات في عدداً من الدول أصدرت العام الماضي قانونا جعل الشبكات الإجتماعية والمدونات الإلكترونية وغيرها من وسائل الإعلام الاجتماعي عرضة لبعض القيود المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية.

هذا النوع من السلبية والفوضى والعبث في صفحات الشبكات الإجتماعية رغم مميزاتها العديدة التي تغلبت بها على وسائل الإعلام التقليدية،إلا أنها فشلت حتى الآن في ما يتعلق بالحفاظ على الأخلاق والقيم والأمن الإلكتروني وتعزيز الثقافة الإيجابية ونشرها بين كافة المستخدمين إلى حد مأمول منها.

الشبكات الإجتماعية وفرص الاستثمار

إن مهارة التفكير الناقد تكون أكثر أهمية وأشد إلحاحاً عند التعامل مع وسائل الإعلام الجديد والانترنت بصورة عامة،لأن الأمر يزداد تعقيداً مع غموض وعدم وضوح الشخصيات الحقيقية التي تتفاعل في إطار الإعلام الجديد أحياناً،كما أن الحرية التي لا تحدها حدود الزمان والمكان والرقابة تتيح نشر أخبار غير صحيحة وشائعات مغرضة وأفكار خاطئة،كما يمكن أن تقود إلى ارتباطات مدمرة بشبكات الجريمة المنظمة والإرهاب والمخدرات وغسيل الأموال وغيرها من المخاطر المحتملة.

تمثل المواقع الإجتماعية فرصة للمجتمعات والثقافات أن تقدم نفسها للعالم،فتلك الشبكات والمواقع فتحت المجال أمام الجميع بدون استثناء وبدون قيود لوضع ما يريدون على شبكة الانترنت ليكون متاحاً للعالم رؤيته،وهذا يتطلب استعداداً حقيقياً للاستثمار في هذه الوسيلة والأهم من ذلك استثمارها بشكل إيجابي ناجح ومؤثر وفعال.

#الإعلام_المتطور ومفهوم المنافسة

إن تميز شبكات التواصل الإجتماعية وتفوقها على وسائل الإعلام الرسمية ليس بالأمر الغريب نتيجة للميزات العديدة التي تضمها تلك المواقع والشبكات،ولكن يجب القول أنه يجب على وسائل الإعلام التقليدية من الصحف والتلفاز والإذاعة عدم الاستسلام والرضوخ أمام هيمنة تلك الشبكات عبر وضع خطط  وبرامجها من شأنها الإستفادة من هذا التقدم التكنولوجي في تقدم أنشطتها وأعمالها ومنافسة الشبكات الإجتماعية على أقل تقدير ممكن.

وينبغي الضرورة النظر إلى خطورة تأثير المواقع الإجتماعية في بيئة وسائل الإعلام المختلفة،ويجب إيجاد الطرق التي تساهم في تنظيم بيئة العمل الإعلامي بالتوازي مع أهمية الشبكات الإجتماعية،كذلك إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات في هذا الشأن خاصة وأن التوقعات المستقبلية تؤكد ازدياد الاعتماد عليها.

تعزيز الثقافة الإلكترونية

يجب تعيم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية الناجمة عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ومشاركة الأسرة للأبناء في بيان أهمية استخدام الإنترنت وتحديد إيجابياته وسلبياته،ووضع برامج إعلامية توعوية للشباب لترشيد استخدام تلك الشبكات،وإصدار نشرة إعلامية إرشادية توزع داخل المدرسة والجامعة،لنشر الوعي لدى الشباب بضرورة الاستفادة من الإنترنت بشكل إيجابي وبشكل يساعد على تنمية الإحساس بالدين والوطن والانتماء،وتوعية الأسرة بأهمية التربية الدينية وغرس الوازع الديني على الحياء من الله ومراقبته لحماية الشباب من أي انحراف أو زيغ عقائدي.

وكذلك العمل على توجيه الشباب إلى ضرورة الالتزام والتقيد بقوانين الاتصالات،فيما يختص باستخدام الإنترنت للدخول للمواقع المحظورة،والتوعية بالعواقب التي قد تعرضهم للمساءلة القانونية،إضافة إلى تصميم مقرر دراسي عن التربية الإعلامية يساعد على تعليم وترشيد الشباب لكيفية التعامل مع ما تبثه وسائل الإعلام الإلكتروني الجديدة،فضلاً عن عمل دورات تدريبية وورش عمل مكثفة للتعريف بشبكة الإنترنت وتدريب الطلبة الجامعيين على الاستخدام المفيد لها،وكيفية انتقاء المعلومات واختيار المناسب منها في البحوث والدراسات العلمية وربطها بخطط البحوث ومواد التدريب الميداني.

التنقل السريع