وتسعى تويتر خلال السنوات الماضية إلى اللحاق بركب مثيلاتها من مواقع
وشبكات التواصل الاجتماعي، حتى تلك التي ظهرت وأنشئت بعدها، لكن دون جدوى إذ لم
تستطيع الشركة جذب العديد من المستخدمين بنفس الحماس الذي كانت عليه في السابق، فمعدل
نمو عدد مستخدميها النشطين لا يزال في تباطؤ حسب آخر التقارير.
ويرى خبراء وأخصائيون بمواقع التواصل الاجتماعي، أنه بات من الصعب
اليوم الدفاع عن حق موقع التواصل الاجتماعي التدوين المصغر "تويتر" في
التواجد بين الشبكات الاجتماعية بعد الحال الذي وصل اليه.
وتقدم تويتر للعديد من المستخدمين خدمة رئيسية بالتغريد على ألا
تتجاوز 140 حرفاً ورمزاً، والاطلاع على آخر المستجدات وأحداث الساعة، ورغم سرعة
التفاعل في تويتر في هذا الإطار إلا أن هناك شكوك كثيرة ومواضع ريبة لترويج
الشائعات وغياب الصرامة في التأكد من موثوقية المصادر للمعلومات والأخبار
المتداولة في تويتر.
وأنتشر مؤخراً على موقع تويتر خطابات ولهجات عدة تحث على القتل
والتهديد والعنف والكراهية وترويج الإباحية من عناصر إرهابية أو مؤيدة، وبدت تويتر
غير مهيأة ومستعدة للتعامل مع هذا الشكل الذي يعتبر أحد أشكال ومظاهر العنف على
الإنترنت والإرهاب الإلكتروني، إذ لم تمتلك أدوات فعالة تذكر للعلن لكسر وحجب تلك
الأمواج والحسابات.
وقامت تويتر بإجراء تعديلات جديدة على صندوق المحادثة والرسائل
الفورية وتغيير تصميم بعض أجزاء الموقع، حيث أن تلك التعديلات إضافة إلى هجمات
الاختراق الشرسة على المشاهير والتي لم تتمكن تويتر من حمايتها، جعلها في موقف
محرج لعدم وجود التطوير وضعف جوانب الحماية، الأمر الذي يشوه من صورة ذلك الموقع
العملاق الذي أسر قلوب الملايين لسنوات عديدة.
انطلاقة تويتر المغرد
أُنشئت تويتر في مارس 2006 بعد عامين من إطلاق موقع التواصل الاجتماعي
فيس بوك، بفكرة مختلفة كلياً على يد أربعة أشخاص، أبرزهم جاك دورسي الذي يمثل الآن
منصب الرئيس التنفيذي للشركة وقلب فكرة تويتر، الذي نشر أول تغريدة في الموقع قبل
أن يتم إطلاق تويتر بشكل رسمي في يوليو من ذاك العام.
ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك تحظى بشعبية كبيرة بين
المستخدمين عامة، لحداثة عهدها وبروز المواقع والمنتديات الإلكترونية التي كانت
الثورة والصحية التقنية الحديثة قبل ظهور الشبكات الاجتماعية، نظراً لما توفره لهم
من مساحة لكتابة ونشر المواضيع ذات طابع الأفكار والمناقشات والتعليقات.
وبدأت تويتر تدريجياً باستقطاب بعض المستخدمين لترويج فكرة الموقع في
البداية، على أنه مكان لمشاركة وتبادل الرسائل النصية القصيرة SMS، التي كانت شائعة آنذاك قبل ظهور خدمات
المحادثة والتراسل الفوري، حيث وصف كثيرين الموقع بأنه "رسالة نصية
للإنترنت"، حيث يضع تويتر الحد الأقصى لأحرف التغريدات بـ140 حرف، إذ يأتي
هذا الرقم من كونه الحد الأقصى لأحرف الرسائل النصيرة القصيرة البالغة 160 حرف، وتحتفظ
تويتر ب20 حرف لاسم المستخدم.
وتمكنت تويتر بالفعل خلال سنوات ماضية منذ أن انطلقت في فكرتها
بالتغريدات المختصرة، من جذب الجمهور وتكوين قاعدة عريضة من المستخدمين، مما جعل
العديد من وسائل الإعلام والمشاهير والسياسيين والشخصيات الثقافية والدينية
والرياضية والاجتماعية وغيرهم من الشخصيات الاعتبارية يهرعون إلى تويتر لتصبح منصة
للتواصل مع جمهورهم خصوصاً في الأحداث التي يمر بها العالم وإبداء وجهة نظرهم، وهو
الأمر الشائع الذي نراه حتى وقتنا الراهن.
أرقام وإحصاءات
وصل مجموع مستخدمي تويتر الشهري إلى أكثر من 316 مليون مستخدم، وزاد
عدد مستخدمي تويتر عام 2015 بأكثر من 50 مليون مستخدم، ويتوقع أن يكون عددهم قد
ازداد خلال عام 2015 بحدود 42 مليون، حيث أن هناك ما يقارب الـ 20 مليون مستخدمًا
مزيفًا على موقع تويتر، بينما 85% من مستخدمي تويتر يستخدمونه بواسطة أجهزتهم
المحمولة، كما أن أكبر الشرائح العمرية نمواً على موقع التواصل الاجتماعي
"تويتر" هي شريحة المستخدمين ذوي الـ 55 إلى 64 عام.
ويمثل متوسط عدد التغريدات اليومية يصل 400 مليون تغريدة، بينما
متوسط عدد التغريدات لكل حساب على تويتر يصل إلى 208 تغريدات، حيث أن 28% من
عمليات إعادة التغريد تكون للتغريدات التي تحتوي على خاتمة تطلب إعادة التغريد.
ويقضي مستخدمي تويتر ما معدله 17 دقيقة يومياً، وشكلت نسبة الإناث 21
بالمائة، بينما الذكور 24 بالمائة، وبحسب التوزيع في المناطق، تبين أن 25 بالمائة
منهم يقطنون في المن و23 بالمائة في الضواحي و17 بالمائة في الأرياف.
وعند مقارنة مستخدمي تويتر النشطين شهرياً الذي بلغ خلال الربع
الثالث من العام 2015، بمواقع التواصل الاجتماعية الأخرى، سنجد أنها متأخرة جداً، وعلى
سبيل المثال أنطلق إنستغرام بعدها بنحو 4 سنوات لكن تملك نحو 400 مليون مستخدم
شهري، كذلك غوغل بلس الذي يبلغ فيه عدد المستخدمين النشطين نحو 343 مليون مستخدم
شهرياً.
وبلغ عدد المستخدمين الشهري في السناب شات نحو 200 مليون مستخدم، إضافة
إلى لينكد إن الذي يبلغ به عدد المستخدمين النشطين حوالي 97 مليون مستخدم، فضلاً
عن فيس بوك الذي يصل عدد المستخدمين النشطاء به حوالي 1.55 مليار مستخدم، الذي
يعتبر أحد العوامل المؤثرة وسبب تراجع تويتر للخصائص والمميزات التي قدمتها
مؤخراً، ناهيك عن منافسة الشبكات الاجتماعية الأخرى كإنستغرام وجوجل بلس ولينكد إن
والسناب شات.
تويتر وهيمنة الفيس بوك
أرقام المستخدمين النشطاء في فيس بوك بالمقارنة مع تويتر، تعكس
الفارق الكبير بين الأول والأخير في مجال الشبكات الاجتماعية، وبالرغم من أن تويتر
تم إنشاؤه بعد الفيس بوك بعامين وحصل على العديد من المستخدمين، إلا أن إمبراطورية
عظمى كحجم الفيس بوك تزداد وتكبر يوماً بعد يوم، حيث قامت خلال العام الأول بشراء
تطبيق الواتس اب وتفعيل العديد من المزايا، لاسيما التركيز على المحادثات الفورية.
وأدركت تويتر فشلها مؤخراً، حيث أن حجم المنافسة مع الفيس بوك يعتبر
صعب جداً، فالأخير يعتبر شبكة اجتماعية بالفعل تمتلك العديد من المميزات التي تعكس
مفهوم الشبكات الاجتماعية بمفهومها الشامل، في حين المقارنة مع تويتر الذي يعد
موقع للتدوين المصغر ويحتوي على مميزات أقل من الفيس بوك.
ولو افترضنا وجود مستخدم جديد في عالم الإنترنت ولدية الرغبة في
التسجيل بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، بكل تأكيد سيبحث عن المتصدر في عدد
المستخدمين والأكثر شهرة بين أوساط المستخدمين، فضلاً عن الخدمات التي تتيح له
التواصل مع عائلته وأصدقائه وميزات أخرى من حيث المحتوى والنشر الصوتي والمرئي
المتفاعل.
وهنا يبرز بكل جدارة موقع الفيس بوك وفق الحقائق والأرقام والمميزات
المتاحة وليس تويتر، ناهيك عن خاصية وميزة النشر المباشر والمكالمات الصوتية
والتطور في ميزات التواصل مع الأصدقاء التي أطلقتها فيس بوك وأحدثت ثورة تقنية
مجدداً تؤكد زعامتها وريادتها في عالم الشبكات الاجتماعية.
ويتميز الفيس بوك ايضاً بنجاحه في إعادة هيكلة وفكرة المواقع
الإلكترونية بشكل عصري ومتطور والتي سبقت ظهورها، حيث كانت المواقع والمنتديات
الإلكترونية هي القوة العظمى في عالم الإنترنت والرائجة قبل ظهور الشبكات الاجتماعية.
وتمكن الفيس بوك من جذب كافة الفئات العمرية وخصوصاً فئة الشباب إليه
مع مرور الوقت، في قراءة محضة لسوق مستخدمي الإنترنت الذي يغلب عليه المستخدمون
الشباب واستخدامهم للأجهزة الذكية واللوحية، وذلك بعد فترة ليست بقصيرة من الزمن، منذ
انشتار تويتر الهائل والسريع خلال الخمس السنوات الماضية على أقل تقدير.
تويتر تغرد وحدها
ومع تباطؤ شعبية تويتر وتصاعد شعبية الفيس بوك، أصبح ينظر للأخير على
أنه القدوة الناجحة الذي يجب النظر إليه والسير على خطاه، فالأخطاء التي وقعت فيها
تويتر لا يمكن تلافيها بكل سهولة، أبرزها الرغبة في التحول إلى شبكة اجتماعية
فعالة ومندمجة مع الرسائل والمحادثة الفورية، رغم كونه أنطلق فعلاً كخدمة لمشاركة
وتبادل الرسائل النصية القصيرة.
وتسعى تويتر للعودة مجدداً ويبدو عليها التخطيط جلياً خصوصاً بعد
تعيين مؤسسها جاك دروسي رئيساً تنفيذياً لشركة تويتر، الذي أطلق مؤخراً عدداً من
المميزات لعل أبرزها استبدال زر التفضيل بزر الإعجاب والتي تشبه ميزة متاحة في
الفيس بوك كثيراَ بهدف جذب الانتباه أمام المستخدمين الجدد.
ولكن يقف أمام تويتر العديد من العقبات كما ذكرنا، ولعل اهمها تقييد
المستخدمين بعدد الأحرف في التغريدة 140 حرف الذي يشكل عائقاَ أمام تقدمها
وتطورها، وعلاقة المستخدمين التي تربطهم ببعضهم.
ولكن العقبة برأيي هو تقييد المستخدمين بـ140 محرفا كحد أقصى
للتغريدات والتي تمثل أحد العوائق الرئيسية أمام تقدم وتطور تويتر، والعلاقة التي
تربط المستخدمين ببعضهم، فيجب عليها التخلي عن هذا الحاجز المقيد والبدء بتفعيل
مميزات أخرى خصوصاً في دمج الموقع وتحوله إلى محادثات ورسائل فورية.
من المؤكد أن تويتر وضعت هذه الأمور في الحسبان، وأعتقد أن قراراتها
بالقريب العاجل ستكون مصيرية وتحدد هوية مستقبل الشركة، إذا من المتوقع تغيير شكل
تويتر جذرياً، فمن الممكن أن نشاهد تويتر يتخذ قرار ناجح وفعال وسيحدث معه ثورة
ومفاهيم جديدة في عالم الشبكات الاجتماعية الذي يتطور يومأً بعد يوم، وسينطلق معه
العصفور الأزرق ليغرد من جديد في فضاء شاسع، أو قرار خاطئ سيضع حداً ونهاية حزينة
لذلك العصفور الذي يغرد لوحده.